لديَّ ابن عمره 3 سنوات، يتكلم بطلاقة مع الجميع،
اجتماعي جدًّا، وفجأة بدأ التلعثم في كلامه، حيث يكرر الحرف الواحد حوالي
خمس إلى ست مرات قبل أن ينطقه، وبأكثر من حرف (أي لا يتلعثم بحرف معين
فقط)، وقد يكون ذلك في بداية الكلام أو آخره.
البعض اعتقد أنها العين والحسد، وتبع ذلك علاجات
شعبية وشرب الماء المقروء عليه بالقرآن..والبعض الآخر يقول: الخوف من صراخ
والديه على إخوانه الكبار..فأيهما المصيب؟..وما هو العلاج الأمثل لمثل هذه
الحالة؟.
إن حالة طفلك الغالي سالم تصل فيها نسبة حل المشكلة
من 95 - 98%، ولا يزال من الصعب الحكم عليها بكونها تحتاج للعلاج في هذه
المرحلة؛ فمثل هذه الحالات تُعَدَّ طبيعية حتى بلوغ سن 6 سنوات، ويصعب قبل
ذلك تحديد احتياج الطفل لبرنامج أو تدريبات علاجية قبل هذه السن.. فضلاً عن
أن برنامج العلاج والتدريبات غالبًا لا يبدأ قبل بلوغ الطفل ست سنوات؛
لقدرته على استيعاب التمرينات والتفاعل معها، في حالة ثبوت كون الأمر ليس
عابرًا، وفي حاجة فعلية للعلاج..ولا تزال أسباب التلعثم والتأتأة غير محددة
بنسبة 100%.
فقد تعددت في تحديد أسبابها النظريات، فهناك النظرية
النفسية التي ترجع تلك الحالة لأسباب نفسية أو ظروف معينة مرت بالطفل
فانعكست آثارها عليه في صورة تأتأة أو تلعثم في الكلام.
والبعض يرجعه لعوامل وراثية. وأكثر المشاهدات تشير
إلى كون الطفل الذي يتعرض للتأتأة ذكيًّا في الغالب، وهو ما يجعل أفكاره
متسارعة ومتلاحقة وعديدة، فتزدحم حينما يريد الكلام أو الإجابة على سؤال
ما، فتقافز الأفكار في رأسه بتلك الطريقة تجعله يحتاج لوقفات في أثناء
الكلام - تظهر في صورة تأتأة أو تلعثم - لحاجته لتنظيم وتجميع الأفكار
المتدافعة وترتيب الكلام.
وكما نبغي أن تهدئ الإجابة من روعكما أنت ووالدته،
وأن تطمئنكما، فينبغي أيضًا التأكيد على أمر غاية في الأهمية، وهو أن حالة
ولدكما الغالي ربما تكون حالة عابرة، بينما يؤدي التعامل الخاطئ معه إلى
تأصيلها وتحويلها لحالة تحتاج فعلاً للعلاج، بل قد يتطور الأمر لحالة أكثر
تعقيدًا، وهي (الحركات العصبية اللاإرادية)، أي تلازم حالة التأتأة
واللعثمة حين يتحدث الطفل مع حركات عصبية، مثل: غلق العينين بشدة، أو دبِّ
الأرجل على الأرض، أو فرك اليدين وضمهما في محاولات لاستحضار الحرف والضغط
عليه… وهذه الحالة يصعب علاجها والتخلص منها بسهولة، والعكس صحيح، إذ ربما
تكون حالة تحتاج للعلاج ويساهم التعامل الصحيح معها إلى زوالها ومرورها
بسلام دون أدنى أثر على الطفل.
ولنضع أيدينا على الأسلوب الصحيح للتعامل مع الحبيب الصغير - لتفادي كل ما سبق إن شاء الله - ينبغي عليكما كوالدين اتباع ما يلي:
أولاً- عدم مضايقة الطفل، وعدم لفت نظره إلى كونه يعاني اضطرابًا أو اختلافًا عن باقي أفراد الأسرة، وذلك باتباع ما يلي:
1-
عدم إشعاره بشكل سلبي أو إيجابي أنه غير طبيعي، والمقصود بالشكل السلبي
تهديده بالعقاب إن لم يتحدث بشكل سليم، والمقصود بالإيجابي إغراؤه
بالمكافأة والتشجيع ليتكلم بشكل سليم.. فكلا الطريقتين ستؤديان حتمًا
لترسيخ الشعور لديه بأن هناك أمرًا ما مختلفًا فيه عن غيره يحتاج للتخلص
منه، وهو ما يزيد من الضغط العصبي عليه وتوتره الذي يساهم في زيادة الحالة
بدلاً من حلها، وبالتالي فالهدوء واللامبالاة أثناء حديث الطفل بهذه
الطريقة هما من أهم ما يجب تحريه مع الطفل في حالته تلك.
2- عدم التعامل معه بشكل فيه تعاطف زائد عن الطبيعي،
فمثلاً حين يبدأ بالكلام ويبدأ في التأتأة بتكرار حرف الألف مثلاً ليقول
(أنا) فيجب ألا نقول له: "حاول وستستطيع"، أو: "مهلاً وستنطقها"، أو:
"بهدوء وستنجح"… كل هذه العبارات التشجيعية ستؤصل عنده شعوره بالمشكلة،
بل يجب أن يقال له: (أنت ماذا؟) فهمت قصدك.. ماذا تريد يا حبيبي؟، تمامًا
كما يدور الحوار العادي مع باقي إخوته والمحيطين به.
ثانيًا- منع إخوانه أو أقرانه من أطفال وأبناء
العائلة أو الجيران من السخرية منه، مع محاولة تجنب لفت نظر الآخرين لحالته
أو لفت نظره لشعورهم بالتعاطف معه لاختلافه عمن حوله، وتوجيه أفراد
العائلة ومن تختلط بهم الأسرة إلى أهمية عدم إثارة الموضوع أو التعليق على
الطفل أو لفت نظره.
ثالثًا- محاولة منع تعرض الطفل لموقف مفاجئ يربكه
ويزيد تلعثمه، خاصة أمام الناس، كأن يسأله أحد سؤالاً مفاجئًا لم يستعد له؛
فإن الشخص الكبير يسهم عنصر المفاجأة في إرباكه وإزعاجه وبعثرة أفكاره
أحيانًا، وهو ما يتطلب منه برهة لإعادة تنظيم أفكاره وإجابته.. فكيف الحال
مع الطفل الصغير؟.
الوالد الفاضل.. نتمنى للطفل الحبيب زوال هذا العرض
سريعًا وفي انتظار سماع أخباركم، وسؤالكم عن علاج ثرثرة الطفل الحبيب سالم
..إلى هنا ينتهي كلام الدكتورة سحر.
أخي الكريم.. قبل أن نمضي ونترككم إلى تطبيق ما
اقترحناه، أحب أن أؤكد على ضرورة الرفق في التعامل مع الأبناء، فالصراخ في
الإخوة الذي تشك سيدي أنه ربما كان سببًا في إشعار الطفل بالخوف وإصابته
بهذه الحالة، رغم أنه ربما لا تكون تلك الحالة التي أصابت ولدنا الحبيب هي
نتيجته الوحيدة، لكنه من الخطر في تأثيره على نفسية أطفالنا وشخصيتهم
بمكان.
منقــــــــــــــــــــــــول